عندما أطلقنا أول دورة تجريبية، “استخدم هاتفك الذكي” باللغة العربية، أدركنا أنه حتى الدورات التجريبية ليست أمراً سهلاً للغاية، فقد تطلّب منا الأمر جهداً كبيراً لإنجاز كل شيئ، وضمان المعايير العالية التي نهدف إليها، وتنفيذها ضمن الإطار الزمني الذي حددناه لأنفسنا. كما أن محاولات إقناع أنفسنا بأن ما نقوم بإعداده هو مجرد نسخة تجريبية لم يساعد في تخفيف طموحاتنا. ففي نهاية المطاف، ما كنا نرغب به هو أن يتمتع المشاركون بتجربة قيّمة، لا أن يشعروا وكأنهم أدوات تخضع للتجربة. لذلك، رغم إدراكنا بصعوبة تنفيذ الدورة على نحو مثاليّ، إلّا أنها يجب أن تكون جيّدة. ينبغي دائماً التعلّم من الأخطاء، فهو أمر مفيد، ونحن نؤمن بشكلٍ تام أن التعلّم من الأخطاء هو وسيلة تعليمية قوية، لكننا شعرنا بأنه من الخطأ أن نجعل المشاركين يدفعون ثمن عملية التعلّم الخاصة بنا.
الآن وقد تم الانتهاء من النسخة التجريبية الأولى، فقد حان الوقت للتفكير بما قمنا به وكيف نجحنا. قرّرنا أن نشارك معكم الأفكار والدروس المستفادة والمشكلات والأسئلة المُعلّقة، من خلال بعض التدوينات التي سننشرها خلال الأسابيع المقبلة. نأمل أن تستفيدوا من هذه الطريقة. اليوم أو غداً، عبر الشبكة أم خارجها؛ التعلّم يتخطى جميع الحدود!
في عام 2018، قضينا حوالي نصف العام في تطوير منهجنا للتعلّم على الأدوات المحمولة، بما في ذلك البحث عن أفضل منصة لاستخدامها. أردنا التأكد من أن أكبر عدد ممكن من الأشخاص يمكنهم الوصول إلى دورتنا وبأقل تكلفة ممكنة. ففي نهاية المطاف، تتمثل مهمتنا في جعل التعليم متاحاً للجميع، لأننا نعتقد أن كل شخص يستحق أن تتاح له الفرص لتطوير قدراته، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه أو نوعية ومستوى التعليم الرسمي الذي تلقاه. لذلك، توجب علينا العثور على منصةبسيطة لتكون معروفة من قبل مجموعاتنا المستهدفة.
في الوقت نفسه، كنا بحاجة لضمان خصوصية المشاركين، إذ أن التعليم للجميع يمكن أن يفرض تحديات في سياقات معينة. كان من الضروري أن يتمكن المشاركون من حضور دوراتنا دون لفت الانتباه الشديد، لأن هذا قد يُعرّض مشاركتهم المستمرة للخطر. لذلك، كان ينبغي علينا إما إيجاد منصة حيث يمكن للمشاركين أن يكونوا مجهولي الهوية أثناء التفاعل فيما بينهم، على سبيل المثال من خلال استخدام الأسماء المستعارة. أو استخدام منصة تسمح بالتفاعل بين المشارك ومنسق الدورة فقط. بصرف النظر عن نوعية المنصة، كان علينا أن نفكر أيضاً في مستوى الأمن الرقمي للمشاركين. هل سيقوم المشاركون باستخدام الأسماء المستعارة باستمرار؟ هل سيمتنعوا عن مشاركة معلومات شخصية تكشف عن هوياتهم وربما تعرضهم للخطر في مجتمعاتهم؟
أخيراً، كان يجب أن تتمتع منصتنا بالموثوقية والاستقرار، لا أن تكون قيد التطوير أو عرضة للإلغاء.
في النهاية، اخترنا العمل عل تطبيق “الواتساب”، وهو التطبيق الذي بدا وكأنه يستوفي جميع متطلباتنا تقريباً، على عكس
منصتي (فيسبوك وركبليس Facebook Workplace) و(غوغل كلاسروم Google Classroom) اللتين قمنا بتجريبهما أيضاً. لقد استمتعنا باستخدام منصة Google Classroom، فهي منظمة للغاية وتسمح بإجراء مناقشات جماعية وفردية. مع ذلك، لم تكن المنصة سهلة الاستعمال بالنسبة لمجموعتنا المستهدفة. كما أن ضمان الأمن الرقمي قد يكون صعباً، بسبب استخدام الصور الرمزية Avatars والأسماء من قبل المشاركين أنفسهم. وبالنسبة لمنصة Facebook Workplace، فقد بدت غير منظمة إلى حد ما لتناسب احتياجاتنا، مع وجود مخاوف تتعلق بالخصوصية، حيث يحتاج المشارك إلى حساب شخصي مرتبط بعنوان بريد إلكتروني حقيقي يجعل من السهل تحديد هويته. ومن هنا جاء خيار استخدام الواتساب كأداتنا الرئيسية. لكن الشيء الوحيد الذي أردناه والذي لا يسمح به الواتساب هو التفاعل المركز ومجهول الهوية. لذلك قررنا استخدام منصة بادليت Padlet للقيام ببعض المهام والمناقشات.
بشكلٍ عام، وفي نهاية الدورة التجريبية، ما زلنا نلتزم بخيار الواتساب. كان المشاركون على دراية بهذا التطبيق وكانوا يستخدمونه بالفعل. وكان من الممكن التواصل عبره بسهولة وسلاسة مع كل مشارك، وفي نفس الوقت نشر المواد “بدفعات كبيرة”. لا يستخدم الواتساب الكثير من البيانات، وحاولنا التأكد من أن المواد كانت صغيرة الحجم قدر الإمكان. حضر بعض المشاركين في الدورة التجريبية الأولى من السودان، وحتى أثناء الاحتجاجات هناك، بقي الواتساب متاحاً إلى حد كبير، على الرغم من أن بعض المشاركين أشاروا إلى تدهور جودة الاتصال، لا سيما في بعض الأحيان عندما أرادت الحكومة منع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
يعيش غالبية الأشخاص الذين نستهدفهم –من خلال مهمتنا المتمثلة في إتاحة التعلّم للجميع– في مجتمعات أو بلدان مغلقة، كما أن فرصهم للحصول على التعليم تواجه تحديات يفرضها جنسهم أو عرقهم أو الفقر. هؤلاء الأشخاص يعانون بدرجة أكبر من حجب المواقع أو التطبيقات، أو سوء الاتصال الناجم عن شبكات ذات جودة سيئة أو الحِمل الزائد للشبكة بسبب الأحداث الجارية. هذا ما كنا على دراية به مسبقاً، ولذلك صممنا واختبرنا منهجنا بعناية فائقة.
ما تعلمناه هو أنه ينبغ وضع المُتعلّم في الصدارة. ورغم إيماننا الراسخ بقوة وفاعلية التعليم الاجتماعي، حيث يتعلّم الأشخاص من بعضهم البعض ومن خلال التفاعل فيما بينهم، إلّا أننا في النهاية قررنا أن ذلك سيكون صعباً جداً. تم اتخاذ هذا القرار، على أساس:
أ) إدراك أن مجموعتنا المستهدفة لن يكون لها قدرة على الوصول الكافي إلى المنصات الاجتماعية بسبب المشكلات التي تتعلق بالبيانات والاتصال،
ب) إدراك أنه لا يمكننا توقع أن تكون مجموعتنا المستهدفة على دراية جيدة باستخدام التطبيقات المختلفة والأمن الرقمي (وهما من بين الموضوعات التي أردنا توعية الناس بها)
ج) إدراك أن مهمتنا المتمثلة في وضع المُتعلّم في الصدارة يمكن أن تتعرض للخطر في حال تعرض المشاركون داخل مجتمعاتهم للخطر، وهو ما يمكن أن يحدث بسهولة ويكون خارج نطاق سيطرتنا في المنصات الاجتماعية المفتوحة.
توجبَ علينا وضع المُتعلّم في الصدارة. هل سيكون المشاركين قادرين على تحمل متطلبات التعلّم؟ مالذي سوف يكونوا قادرين على استخدامه؟ هل ستُجبرهم بيئتهم على التوقف عن التعلّم في حال أصبح ذلك مكشوفاً؟ من أجل إيجاد إجابات عن أسئلتنا ووضع الافتراضات والتحقق من صحتها، قمنا بالتواصل مع الأشخاص في مجموعتنا المستهدفة الأساسية خلال عدة مراحل من عملية التصميم.
من أجل تحقيق طموحنا في إمكانية إتاحة التعليم الاجتماعي، قدّمنا منصة بادليت كمنصة للتفاعل. هناك يمكنكم ترك ملاحظات دون كتابة الاسم، إما بشكل متزامن أو لا. لقد نجح الأمر بشكل مقبول، لكننا علمنا أن الجمع بين منصات مختلفة، الواتساب وبادليت، يمكن أن يؤدي إلى الارتباك. لم يكن جميع المشاركين قادرين على التعامل مع هذا التغيير بشكل جيد. هذا في الواقع أكد افتراضاتنا على النحو المذكور أعلاه. الوصول محدود سيؤدي بدوره إلى عرقلة القدرة والبراعة في استخدام التطبيقات المختلفة. لذلك هناك شيئاً من أثر كرة الثلج –أحد القيود يؤدي إلى آخر ويضاعف من حدتها.
وبالتالي، فإن أي دورة عبر الإنترنت ستمثل تحدياً لقدرات المشاركين ومنظمي الدورات ومنسقيها، ويتعين على كل منهم توسيع آفاقهم في اتجاهات مختلفة. لقد وسعنا آفاقنا بشكل غير متوقع عن طريق تضييق نطاق منهجنا للتركيز على إتاحة التعلّم حتى لو لم يكن هذا النوع المثالي من التعلّم الذي كنا نخطط له في البداية. وفي نهاية المطاف، القدرة على حضور دورة تدريبية مهما كان نوعها أفضل من عدم القدرة على الإطلاق. لهذا السبب، نشعر بالفخر بالتعليقات والملاحظات الإيجابية التي تلقيناها من المشاركين في الدورة التجريبية الأولى: ” شكراً جزيلاً! كانت الدروس مفيدة جداً لشخص مبتدئ مثلي “
صحيح، لم تكن التجربة الأولى سهلة جداً وقد تعلمنا الكثير (تتناول إحدى المنشورات القادمة على المدونة كيف قمنا على الفور بتطبيق بعض الدروس المستفادة، حتى يتمكن المشاركون من معرفة أننا وإياهم نتعلّم في نفس الوقت). ولكن طوال الوقت كنا نركز على مهمتنا المتمثلة في إتاحة القدرة على الوصول إلى التعلّم لأولئك الذين يفتقرون إلى سهولة الوصول إليه -حتى الآن، تمكن أكثر من 100 شخص من تعلّم شيء جديد من خلال دورتنا، ونحن فخورون بهؤلاء الأشخاص. هذا ما يجعلنا متحمسين لمواصلة مسيرتنا، وإيجاد طرق أفضل للوصول إلى الأشخاص الذين نسعى إلى تمكينهم من خلال التعليم والتعلّم. لقد طورنا الكثير من الأفكار والأحلام الجديدة، ونحن مستعدون للمراحل القادمة! لذلك، ترقبوا المزيد من البرامج التجريبية والدورات التدريبية!